المملكة في عالم المخترعات - 9 فبراير 2014

صحيفة المدينة

المملكة في عالم المخترعات - 9 فبراير 2014

2021-10-11    568

منذُ رَسَمَ الإدريسيُّ أولَ خريطةٍ كُرويةٍ للعالمِ في القرنِ السادس الهجريِّ، إلى أنْ شَهِدَتْ كَنَدا ظُهورَ أولِ نظامٍ معلوماتيٍّ جُغْرافيٍّ في النصفِ الثاني من القرنِ العشرين .. هناكَ مَسَافةٌ مَعْرِفِيةٌ طَويلةٌ جداً قطعها الإنسانُ في المجال الجُغْرافيِّ بفضلٍ من اللهِ وعونٍ.
وإذا كانَتْ الخرائطُ الدقيقةُ نقطةَ انطلاقٍ للمَعْرِفِةِ الجُغْرَافية، فإنَّ (النظامَ المعلوماتيَّ) يُمَثِّلُ نقطةَ تحوُّلٍ كُبْرى في الدَّرْسِ الجُغْرافيِّ، نَقَلَهُ من الوَصْفِ إلى التَّحْليلِ، ومن البَسَاطةِ إلى التركيبِ، ومن استقراءِ الحاضرِ إلى استشرافِ المستقبلِ، ومن الانعزالِ المَعْرِفيِّ إلى الانفتاح على سائرِ المعارفِ والعلومِ والتطبيقاتِ.
تقومُ فَلْسَفَةُ النُّظُمِ المعلوماتيةِ الجُغْرَافيةِ على توظيفِ الإمكاناتِ البَرْمَجيةِ الحاسوبيةِ في التعاملِ مع (البياناتِ الجُغْرافيةِ) للخروجِ بنتائجَ عمليةٍ تَخدِمُ سائرَ المجالاتِ المَعْرِفيةِ بما في ذلك المجالاتُ الطبيةُ والفلكيةُ والهندسيةُ، وغيرُها. وهذا يُبيِّنُ لنا أنَّ تسخيرَ تقنياتِ نُظُمِ المعلوماتِ الجُغْرَافيةِ أمرٌ لابدَّ منهُ لتخطيطِ المشاريعِ، ودراسةِ الأسرارِ الكامنةِ فوقَ سطحِ هذا الكوكبِ الذي تَكْتَنِفُهُ أسرارٌ لاحدودَ لها.
لقد استطاعَ التطورُ السريعُ لتقنيةِ المعلوماتِ الجُغْرافيةِ أن يفرضَ نمطاً جديداً في أُسلوبِ الحياةِ المعاصرةِ، ووسائلِ إنتاجِ المعلوماتِ الأساسيةِ والمساعدةِ، وامتدَّ هذا التطورُ ليجعلَ من الأرضِ وفَضَائها وبِحَارِها حيِّزاً متكاملاً ومتصلاً يَسْهُلُ فيه نَقْلُ المعلوماتِ وتداولُها.
ولنا أن نتصوَّرَ مدى الخدمةِ التي تُقَدِّمُها هذه التقنيةُ -على سبيلِ المثالِ- لرفعِ مستوى الخدماتِ المقدمةِ للحجَّاجِ والمعتمرينَ، و إدارةِ النَّقلِ، والحشودِ، وتحديدِ وتوزيعِ الأمراضِ ومَخَاطِرِها، وكذلك في فَهْمِ البيئةِ وأسرارِها، وما تُمِدُّنا بهِ من معلوماتٍ دقيقةٍ موثَّقَةٍ.
ولأجلِ هذه القيمةِ المَعْرِفِيةِ والعمليةِ للنُّظُمِ الجُغْرافيةِ توجَّهَتْ مدينةُ الملكِ عبدِالعزيزِ للعلومِ والتقنيةِ وعبرَ خُطَّتِها الاستراتيجيةِ الوطنيةِ إلى تَفعيلِ هذا المجالِ العلميِّ المهمِّ.
إنَّ هذا التوجَّهَ هو جزءٌ يسيرٌ من عمليَّةِ التحوُّلِ الاقتصاديِّ الكبرى التي تقودُها حكومةُ مولايَ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ -حفظهُ اللهُ- بقَصْدِ التحوُّلِ من اقتصادٍ يعتمدُ على النِّفْطِ إلى اقتصادٍ مبنيٍّ على المعرِفةِ، هذا التحوُّلُ الذي يرتكزُ بشكلٍ أساسيٍّ على (توطينِ) الابتكارِ التقنيِّ، ولذلك تستثمرُ المملكةُ العربيةُ السعوديةُ بشكلٍ كبيرٍ في البرامجِ الوطنيةِ التي تُسْهِمُ في توطينِ التقنيةِ، وتهيئةِ السُّبُلِ للعُقُولِ الوطنيةِ المبدعةِ لِتَضَعَ بَصْمَتَها الابتكاريَّةَ في مساراتِ العلومِ المختلفةِ.
وإلى غدٍ قريبٍ تتبوَّأُ فيهِ بلاد الحرمين مكانَها اللائقَ في عالمِ المُختَرَعاتِ والمُبْتَكراتِ.


مشاركة :